أبحاث ودراساتمقالات

أزمة الهوية والدعاوي إلى العروبة في ماما أفريكا

بقلم : محمد قطرب باري

كاتب وباحث في القضايا الأفريقية

منذ فترة انفجر بركان الصراع القومي في إحدى المناطق الأفريقية السمراء ، وتابعتُ بكل محايدة ما تجري هناك ، ومن خلال متابعتي راودتني أنواع من التساؤلات فكانت تكمن في أسباب تلكم الفتنة الهيجاء ، وقد توقّفتُ على عدّة ملاحظات قد تكون تعقيبا لا تعييبا ، ثم انتهزتُ فرصة أخرى لأبحث على وسائل أخرى للتحقق بعد البحث الدقيق تحت دراسة ميدانية واقعية نحو القضية الحساسة التي بحاجة ماسة إلى التحليل الصريح الواضح ، لا إلى سبق المقال التلميح. من نافلة القول : ما تمر في منطقة دارفور في هذه المرحلة الحَرِجة لا يمتري عنزان ولا يتنازع فئتان أن هناك أيادي خفية تقوم بتمويل ودعم جماعة حركات الإستعرابية المتعرّبة من أبناء البلد الذين يسعون لانفكاك الدولة باسم الدفاع عن العِرض والأَرض، وهناك أسباب كثيرة في هذه الأزمة التي تثير حيص بيص في السودان وغيرها من البلاد الأفريقية التي تعاني بأزمة الهوية ، وقد ترجع إلى أمور متعددة منها… ١- ادعاء بعض أبناء ذوي البشرة السمراء أنهم من جنس العرب ، ومحاولتهم المستميتة في نشر ثقافة التعريب في مجتمعاتنا الأفريقية بين أبناء الوطن الذين لا يتشرّفون بانتماءات ساذجة ولو في لحظة واحدة ، لو افترضنا غربلة دعاويهم قد نجد أن ليست لها جذور ولا تمت لماهيّة هويّتهم وانتمائهم العرقي بصلة ، وإذا دقّقنا النظر حول ما يحتجون به من الرواية المدبلجة… ك” أن كان هناك مِن بين المهاجرين الذين كانوا يأتون في ماما أفريقيا منذ عقود بعيدة في السودان ونيجيريا وغيرهما كان بينهم عرب، فهؤلاء الكائنات الذين يثيرون البلوى والفوضى -حاليا- يزعمون أن أصلهم يرجع إلى قدامى العرب الذين استقروا في مختلف بلداننا ، فهذه الرواية لا سند لها ولن تكن حجة لإثبات عروبتهم . -والغريب ما في الأمر : انتساب بعضهم إلى قبيلة قريش مباشرة ، لعمري…إن دلّ هذا على شئ فإنما يدلّ بانشقاق الطرق للسيطرة على أيتام العقول الذين يظنون أن” العرب “هم أشرف البشر على وجه الأرض، رغم أن هذا القول وَهْمٌ ومِجنّ وسوء الظنّ ، لقد لبّسه إبليس وزيّنه في قلوبهم وعقولهم، لكن مهما حصل سيظلّ الفيصل يكمن في الفُرقان الذي يميّز بين الحقّ والباطل ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، وفي الحديث المتواتر : ” لا فرق بين عربي وأعجميّ إلا بالتقوى” هنا يظهر جليا أن لا علاقة بالشرف والأفضلية بالأنساب، فالمعيار عند ربّ العالمين في التقوى. ٢- إيديولوجية الطائفة المستعربة المتعربة ، كنظرتهم الإستعلائية التي تجعلهم يرون أنفسهم أعلى مرتبة من غيرهم في بلدهم لمجرد تخيّلهم أنهم من العرب، وهذه الفكرة لا شكّ أنها خطيرة للغاية وهي من الأسباب التي تأتي بالصراع الوطيس والخلاف الشرس الذي يؤدي إلى التشريد والإبادة القبلية بين مدعي العروبة والأفارقة الذين يفتخرون بهويتهم ، هذه من الأسباب التي تشعل الحروب العبوسة القومية في تلكم المناطق الإقليمية الأفريقية . إذن…فالحلّ الأنسب والرأي المناسب لمقاومة ما تثير الأزمة الهوية، أطرحه وأقترحه في فقرات موجزة… أ-تجديد النظم التعليميّة التي فيها تاريخ مزيّف في المناهج الدراسية الأكاديمية ، وتنظيم الندوات والمؤتمرات في المؤسسات العلمية والأماكن الثقافية لغرس الوطنية في قلوب أبناء الأوطان بغضّ النظر عن الأديان والألوان ، أعتقد أن على هذا النهج سيتمّ وِحدة الشعوب والتعايش السلمي وستنتهي الأفكار الاستعلائية بلا امتراء. ومن المُلاحِظ…أن الإنسان الأسمر دمه خفيف جدا ، سرعان ما ينتابه العاطفة في كثير من المواقف لذا عندما يُقال: فلان عربي، وحفيد عربي هنا يرفع كائن الزنج شأن المقصود إلى عرش القداسة، لعلّ هذا الديدن مِمّا جعل بعض العرب يرفعون رؤوسهم ويضربون صدورهم أمام الافارقة السمراء. أذكر أن في العصور المنصرمة كان من دمث أخلاق أجداد الزنوج احترام الضيوف من المهاجرين والبعثات الدعوية،لذا كان الأجداد يحترمون كل ما هو عربيّ وما يُنتسَب إلى العرب حتى وإن كان- زورا وبُهتانا-، مع الأسف الشديد ظلّ جلّ العرب إلى يومنا الراهن يرون ذوي البشرة السمراء كأنهم أضعف وأحمق خلق الله قاطبة، رغم أن سواد البشرة حظّ عظيم، ومَنٌّ جسيم، ومَنْ وُلِدَ ووجد نفسه زنجياًّ فقد أوتي خيرا كثيرا ،وعليه أن يحمد ربّه ويفتخر بذاته وهويته بعيدا عن فُوبِيا النقص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock
%d مدونون معجبون بهذه: