Uncategorizedأخبار أفريقياسياسة

النزاعات المسلحة بمنطقة الساحل الافريقى، الأسباب والعوامل

د.سهام عبد الباقى محمد

كلية الدراسات الافريقية العليا- جامعة القاهرة

يقصد بكلمة الساحل “الشاطئ” أو المنطقة المطلة على الشاطئ، ويعد مصطلح الساحل الإفريقى تسمية قديمة أطلقها الفاتحون المسلمون على المنطقة الجغرافية التي تمتد من الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى إلى منطقة الغابات الأفريقية على مساحة تمتد أكثر من ثلاثة ملايين كلم أي من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقاً، وقد عرف الساحل في الأدبيات التاريخية العربية بوصفه حزام التماس بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء،كما عرفت هذه المنطقة ببلاد السودان غير أن هذه التسمية يتم التمييز فيها بين السودان الغربى والسودان الشرقي، فالأول هو كل المجال الذي يمتد من غرب دار فور إلى المحيط الأطلسي بين موريتانيا والسنغال وغامبيا، بينما يشمل السودان الشرقي دارفور وما وراءه شرقاً أي السودان الحالي وإرتريا وأثيوبيا، وجيبوتى،بيد أن التعريف الجغرافي للساحل بأنه شريط جغرافي يمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقاً، وتقدر مساحته بعشرة ملايين كلم مربع، ويتميز شريط الساحل بالهشاشة والفقر. يشمل الساحل أجزاء من 12 بلداً وهي جنوب ووسط موريتانيا،شمال السنغال،غامبيا،جنوب مالي،النيجر،شمال ووسط تشاد،أقصى شمال بوركينا فاسو،نيجيريا،وسط وجنوب السودان، وأقصى شمال أثيوبيا وجيبوتي

توصف منطقة الساحل الأفريقى بأنها بؤره صراع وتوتر وأن العلاقات الصراعية هى التى تحكم دول المنطقة بدلاً من العلاقات التعاونية والتكاملية. وذلك لسهولة تجاوز إختلال العلاقات مرحلتي التوتر والأزمة إلى مرحلة التصادم العسكري المباشر، حيث نجد مثلاً أن كل دولة تقريباً من دول التجمع قد دخلت في حرب مسلحة مع إحدى دول الجوار، وكذلك نادراً ما تتسم العلاقات الدبلوماسية- باعتبارها قنوات التواصل الدولي- بالإستمرارية والثبات، إذ يغلب عليها التظهور الذي يصل إلى مستوى قطع وطرد هذه البعثات. إلى جانب طبيعة الصراعات في المنطقة، حيث يدرجها الدارسون ضمن النزاعات الدولية الممتدة. وسنستعرض فيما يلى لأسباب النزاع بتلك المنطقة:

1. أزمة الهوية والاندماج الوطني: جاءت نتيجة الفشل الكبير التي عرفته دول الساحل في التعامل مع التعدد الإثنيه والعرقية واللغوية والدينيه التى تميز تلك المجتمعات وتعود جذور أزمة الدولة في إقليم الساحل الافريقى إلى الفترة الإستعمارية من خلال وضع بذور الحروب الأهلية  والصراعات في القارة من خلال النشأة المصطنعة والعشوائية لحدود الدول الإفريقية حيث تقاسم الإستعمار الفرنسي والإنجليزي المنطقة وقاموا بتقسيمها إلى دول ودويلات لم تراعي التنوع الإثني أو الموارد أو المساحة فتشكلت دول مختلفة وغير متجانسة وتضم تركيبات سكانية صعبة التعايش، ومن خلال العبث بالهيكل التقليدي للحكم فى تلك المجتمعات ممثلاً فى أنساق الضبط الإجتماعى لتلك المجتمعات التقليدية من خلال تغيير النمط الموجود المتمثل في الحكم القبلي والعائلي، وانتزاع الملكيات وبالتالي إختلال الطبقات وتحول الولاء من القبيلة إلى الشركة وظهور طبقات بورجوازية ورثت حكم البلاد بعد خروج الإستعمار وظلت محافظة على تبعيتها وولائها للنظام الإستعمارى بدلاً من توجية ولائها لخدمة مصالح بلدانها.

ومن خلال السياسات الإستعمارية المتبعة في المستعمرات الإفريقية السابقة. جاء التقسيم الإستعماري الذي جرى في مؤتمر برلين عام 1885م متّسقاً فقط مع مصالح الدول الإستعمارية واتجاهاتهم للتوسع، بينما كان هذا التقسيم متناقضاً مع الواقع الإجتماعي والإثني للمجتمعات الأفريقية،حيث أفرز هذا التقسيم خريطةً استعماريةً، جمعت بين مجموعات إثنية وعرقية لم يسبق لها العيش معاً، ولم يسبق لها التفاعل بعضها مع بعضها الآخر كما هو الحال في السودان وتشاد وأنجولا ونيجيريا، وغيرها من الدول. أيضاً ساهمت السياسات الاستعمارية في زيادة حدّة الصراعات في الدول الإفريقية عقب نيل هذه الدول إستقلالها وإلى يومنا هذا فيما يُعرف بسياسة (فرّق تسد)،حيث تتملك بعض الجماعات مزايا إقتصادية،وتعليمية، وثقافية على حساب المجموعات الأخرى، كما هو الحال في رواندا عندما سيطرت جماعة التوتسي على الإمتيازات الإجتماعية والإقتصادية، كذلك واقع السودان عندما تمّ تنمية شماله العربيّ المسلم وتجاهل الجنوب الإفريقي؛ الأمر الذي أدّى إلى حروبٍ أهلية في البلدين وعندما نالت معظم دول القارة إستقلالها، في ستينيات القرن الماضي، لم يكن لديها الخبرة والكفاءات الإدارية والعلمية لإدارة الحكم في معظم دولها.

من ثم أصبحت الحروب والصراعات والنزاعات المسلحة هي التي تسيطر على صورة أفريقيا وتغطيها إعلاميّاً، وذلك بسبب إنتشار العنف السياسيّ، ووفقاً لقواعد بيانات جامعة أوبسالا السويدية شهدت إفريقيا أكثر حالات الحروب والصراعات المسلحة في العالم في الفترة من (1946م – 2006م)؛ حيث سجّلت 74 حالة صراع؛ مقارنة بقارة آسيا التي سجّلت 68 حالة صراع، والشرق الأوسط 38 حالة. إنّ هذه التقارير تبرز عجز المجتمعات الأفريقية عن حلّ النزاعات الداخلية بصورةٍ عامّة، إلا أنه برغم هذه الصورة النمطية عن إفريقيا برزت متغيرات دولية ساهمت في تقليل نسبة العنف في القارة الأفريقية، خصوصاً مع إنتشار ظاهرة العولمة، وسرعة وصول المعلومات التي تتعلق بالنزاعات والعقوبات الدولية التي تطبّق على جرائم الحروب والنزاعات، فقد أدت هذه المتغيرات إلى إنخفاضٍ كبيرٍ في النزاعات المسلحة في أفريقيا؛حيث بلغت في (2008م – 2015م) قرابة سبعة نزاعات مسلحة فقط تنشط في إفريقيا.

2.أسباب ثقافية واجتماعية: حيث تجسد أفريقيا كيانات متنوعه فهى ليست كياناً ثقافيّاً واجتماعيّاً وعرقيّاً واحداً، بل مجموعات مختلفة،حتى في إطار الدولة الواحدة توجد عدة مجموعات تختلف ثقافيّاً وإثنيّاً، مثل دولة السودان تضم قرابة(571) مجموعه، ويتكلّم الأفارقة حوالي ألف لغة متميزة، ولكلٍّ من القبائل الكبرى لغتها الخاصّة، وتضمّ القارة أكثر من خمسة آلاف جماعة مختلفة في أربع وخمسين دولة، تشكّل طائفة من الأنساق العقائدية والأحكام القيمية المختلفة، والتي تُعدّ أمراً ضروريّاً في حياة الجماعات القبلية، مثل: جماعات الهوسا، والزولو، والسوازي، والفور، والأمهرة، والدينكا، والنوبة، وهي جماعات ما زالت تدير شؤونها في إطارٍ جماعيٍّ، وبطرقٍ تقليدية متفقٍّ عليها فيما بينهم.إلا أنه على الرغم من التنوّع الثقافيّ والإجتماعيّ والسياسيّ توجد عدة جوانب عامّة مشتركة في الواقع الأفريقي مثل: سيادة الدول، وأنماط السياسة الأفريقية القائمة على التوجّه الإثني، والإفراط في الإعتماد على الخارج، والإنقسام بين الريف والحضر ومنح الكثير من المزايا لبعض المجتمعات على حساب البعض الأخر، كما أن التمايز الثقافى بين بعض الجماعات وبعضها دون مراعاةٍ للجوانب الإجتماعية والثقافية للقارة الإفريقية.وقبل الإستعمار كانت هذه المجموعات الإجتماعية وإن تعددت تؤدّي دوراً مهمّاً في حلّ النزاعات والحروب وتحقيق السّلْم والأمن وفقاً لمقارباتها الثقافية، وقد كانت الأليات القديمة التى تستخدمها تلك المجتمعات لفض النزاعات المحلية في أفريقيا ما قبل الإستعمار تحقّق قدراً في حفظ السلام والأمن وضمان التعايش السّلمي بين المجموعات المختلفة، وتمثّل الأعراف المحلية صيغة متواترة عن الحروب والصراعات لها أهميتها في ضمان بناء السلام وفضّ النزاعات في هذه المجتمعات.

3.أسباب ديموغرافية.أنه ثمة حقيقة جغرافية وديموغرافية تجعل من دول الساحل الأفريقي بالأساس: بوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر وموريتانيا ذات كثافة سكانية ضعيفة، حيث يعيش 66 مليون نسمة في خمس دول، وفي منطقة جغرافية شاسعة تبلغ 5 مليون كلم مربع، مما يجعل هذه المنطقة تعاني من ضعف المراقبة. وتبلغ نسبة الشباب في هذه المنطقة بين 45 و55 %، ولا تتعدى نسبة التمدرس 25 %، فيما يصل معدل الحياة إلى ما بين 55 و60 سنة، وينزل إلى 49 سنة في تشاد، ويصل معدل الخصوبة إلى ما بين 6-5 أطفال لكل امرأة. ويتوقع أن يصل عدد السكان إلى 194 مليون نسمة في غضون عام 2050، مما سيجعل من الانفجار الديموغرافي قنبلة موقوتة؛ فمعدل الولادة المرتفع يشل الجهود الزراعية، ويدفع الشباب إلى الهجرة سواء نحو أوروبا أو نحو المدن. ويقابل هذا الوضع الإجتماعي، نمو اقتصادي لا تتعدّى نسبته الـ 2 % سنويا، كما أن عجز الموازنات يتراوح بين 4 و10 % من الناتج المحلي الخام هذا بخلاف أزمه الجفاف التى تضرب المنطقة وما يتبعها من أزمة فى الغذاء، وعادة ما تتكشف أزمة إنسانية على خلفية أزمة الغذاء، وفي عام 2012، تأثرت حياة ما يصل إلى 18 مليون شخص بخطر الأزمة الغذائية الرئيسية في المنطقة في حين أن هذه المحنة هددت نحو 1.4 مليون طفل لمن يعانون من سوء التغذية الحاده، حتى في السنوات العادية، فالملايين في حالة دائمة من إنعدام الأمن الغذائي، وعلى مدى العقود الخمسة الماضية،ساهم الجفاف المستمر في زيادة حلقات المجاعة.

4.أسباب سياسية: تتركز أزمات الأنظمة السياسية والدول في منطقة الساحل فيما يعرف بأزمات النظام السياسي  والمتمثلة فى :

-القمع السياسي: بعد رحيل الإستعمار ونشأة الدولة الأفريقية الحديثة أو ما يسمى بدول ما بعد الإستعمار Post colonial state إعتمدت أغلب الدول الأفريقية فى هذه الفترة نظام الحزب الواحد لبناء الدولة وحتى فى الدول التى أقرت بأحزاب متعددة مثل نيجيريا وزامبيا ورواندا والمغرب كان يتجه النظام الرسمى صوب ضرب المعارضة وإبقاء الحزب الموالى للنظام كحزب أوحد وأساسى، وإستقطاب جميع شرائح المجتمع كخطوة أساسية فى بناء الوحدة الوطنية لإستكمال مسيرة التنمية بأبعادها السياسية ،الإقتصادية، والإجتماعية.لكن التجربة أتثبت إخفاق نموذج الحزب الواحد فى تحقيق أى نجاح ملحوظ فى بناء دولة مستقلة فى أفريقيا بدليل تعدد الإنقلابات العسكرية التى شهدتها معظم دول القارة حيث أدى تدخل الجيش إلى إلغاء وجود الأحزاب سواء الأحادية ،أو المتعددة، كما ظهرت الدولة الأفريقية الحديثة كنسخة من النظام الإستعمارى من حيث تسلطية النظام حيث أدى سيطرة نخبة على الحكم وعدم الفصل بين الحاكم والدولة إلى شخصنة السلطة وإنتشار الفساد.كما أن الزعماء المحليون كانوا يمثلون مصالح دول أجنبية فى بلدانهم مبررين قمع المعارضة الشعبية بالحفاظ على الإستقرار وتنمية الإقتصاد. وبالرغم من أن دول منطقة الساحل قد أخذت ببعض الآليات الديمقراطية كالانتخابات، ووضع الدساتير، وإعلاء سيادة القانون وبداية مؤسسة أجهزة الدولة. فإن هذه الأساليب لم تؤد إلى تحرير المجتمعات بل كرست التسلط وشرعت الإستبداد. وهكذا فأمام فشل النظم السياسية فى تقرير الإستقرار السياسي والتطور الإقتصادي، لم تقم بترسيخ المؤسسات الديمقراطية على نحو تام. وكان ينظر لرجال الجيش بوصفهم أنسب أداة للتحكم في هذه الفترة الإنتقالية، حيث اعتبروا الوسطاء الجدد والرئيسين للتحديث.غير أن هذا الطريق الإستبدادي لم يفض إلا إلى إستبداد متواصل بواجهة ديمقراطية. إذ أصبحت النخبة الحاكمة إحدى العقبات أمام الديمقراطية أكثر من كونها أداة لتحقيقها.

أزمة الشرعية والمشروعية: إعتماد الإنقلابات العسكرية كطريقة للوصول إلى السلطة بالإضافة إلى انتهاج أساليب القمع والإرهاب وفرض القوانين والأحكام العرفية. أما المشاركة السياسية فمقموعة في أغلب المظاهر. نتيجة غلق المجال السياسي ومصادرته من قبل النخب الحاكمة، وتعطيل الإنتخابات وتزويرها بما يخدم مصالح القيادات المتحكمة.

أزمة التغلغل: لا تزال الدولة في منطقة الساحل بعيدة عن بسط سيطرتها على كامل أرضيها نظراً لقلة الإمكانات، حيث تنازعها في ذلك شبكات الجريمة المنظمة والحركات المسلحة والمتمردين كما هو الحال في شمال مالي.

أزمة التوزيع: وتعبر أيضا عن الفشل الإقتصادي، حيث تغيب العدالة في توزيع الموارد وتستأثر القلة الحاكمة بالموارد المتاحة وتحرم منها الأغلبية مما سبب تفاوتا طبقياً حاداً نتج عنه ظواهر سلبية معاكسة مثل التمرد، والعصيان ومحاولات الإنفصال كحال الطوارق في مالي والنيجر وتشاد، وإقليم دارفور، ودلتا النيجر في نيجيريا، ومن أسباب تفاقم أزمة التغلغل ظاهرة الفساد السياسي المستشري في معظم دول العالم الثالث ومنها دول منطقة الساحل واستغلال الممتلكات العامة لأغراض ومصالح شخصية من قبل الطبقة الحاكمة وأصحاب النفوذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock
%d مدونون معجبون بهذه: