الاسلاف والارواح فى حياة البلاندا دين أم ثقافة

أن ما سيرد هنا من الحديث فى موضوع هام انما يعبر عن ما رائه الباحثين وليس للترويج عن الاديان فى افريقيا او معارضتها انما هو بحث مجردة عن اى راى شخصى والهدف منه هو معرفة كيف يفكر الناس ويعرفون الدين وكيف فهموه على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم وذلك عملاً على الحرية التى كفلها الله لعباده فى معرفته وتوحيده

ان الحديث عن الاديان فى افريقيا والبحث فيه يعد امر ضرورى يشغل بال الباحثين والدارسين ويعد أمراً ضروريا وذلك أن جوهر الدراسات الانثربولوجية خاصة تكون فى دراسة الدين ويعتبر دراسة الدين للباحثين الانثربوبولوجين مهمة جداً كأهمية دراسة المنطق للفلاسفة وذلك لان الديانات التقليدية يكمن بداخلها مماراسات ومعتقدات ثقافية بحتة تشكل ثقافة المجتمع او القبيلة الافريقية
لكن الاهم فى الموضوع ما هى الدين وماذا تشكل لدى الانسان الافريقيى وهل اصحاب الديانات التقليدية فى افريقيا يتمسكون بدياناتهم لدرجة التحجر والتعصب ام ان دياناتهم مرنة تسمح بأستعاب كل جديد من الديانات الوافدة اليها وكذلك هل هى ديانات وثنية تعبد التماثيل والهياكل ام انها ديانات توحيدية وان كانت تدعو الى عبادة اله واحدة ام هى دين تمجيد للارواح والعالم الخفى ام هى عبادة الاسلاف ولكى نفهم الدين فى افريقية ماهى لابد أن نتطرق فى ضوء النقاط التالية الى مراحل تطور مفهوم الديانات التقليدية فى افريقيا ثم الانتقال الى اسماء لبعض الالهة فى الديانات الافريقية ودلالة هذه الاسماء ثم نأخذ قبيلة بعينها ونحلل حياتهم الدينية تحليلاً دينينا ثم عموماً نقوم بتحليل الاديان فى افريقيا
أولاً : مراحل تطور مفهوم الديانات التقليدية
ثانياً : اطلالة عامة على دين قبيلة البلاندا
ثالثاً : المراجع
أولاً : مراحل تطور مفهوم ووصف الديانات التقليدية فى افريقيا
لقد مرت مفهوم الدين وتصنيفه خاصة فى الديانات التقليدية فى افريقيا بعدة مراحل وظهر من افريقيا عدد من العلماء المعارضين لتسمية الديانات الافريقية التقليدية على انها ديانات وثنية او تقليدية او عبادة الارواح او الاسلاف
بدأت الدراسات حول الاديان فى افريقيا من قبل علماء السلالات والكنسيين المبشرين قبل قرن مضى من الزمان الا ان فى هذه الفترة لم يطلق كلمة الدين او العقيدة على على اى شعائر او ممارسات افريقية بل تم وصفها على كلمة الروح او النفس وكان ذلك من خلال ما اطلقه عالم السلالات البشرية الانجليزى تايلور حيث قال ان الروح عند اصحاب المعتقدات الافريقية يمكن أن تغادر الجسد وعلى ذلك يصف تايلور عن الاديان الدينية انها اديان وثنية
وكذلك هناك بعض الاوصاف للديانات الافريقية مثل كلمة الديانات البدائية او طقوس دينية قائمة على التعاويذ
ومن اهم ما وصف بها ديانات افريقيا كان من الباحث بارندير اديان افريقيا وقال فى وصفه ان الهة افريقيا متسامحة فى عقائدها ويمكنها بسهولة قبول اديان اخرى ولا يوجد فيها والمقصود بفيها هى افريقيا الهة غيورة تجاه الشرك طالما لم تهاجم المعتقدات القديمة لهم
ثانياً : أسماء بعض الاله لدى قبائل أفريقيا
كل لفظ واسم من اسماء الاله فى لإريقيا يوكد على اقتراب الافارقة

الدين عند البلاندا
البلاندا
البلاندا Belanda Bor هي جماعة عرقية تتواجد في ولايتي غرب الاستوائية وغرب بحر الغزال، جنوب السودان. ويتكلمون لغة بلندا بور، إلا أن معظمهم يتكلمون أيضاً بلندا ڤيري. يبلغ عدد أبناء هذه الجماعة نحو 33,000 نسمة ويعتقدون في أديان تقليدية.
للبلندا العديد من الثقافات والمعتقدات مثل أي قبيلة بجنوب السودان، ويمتاز أفرادها بالذكاء وابتكار الأشياء. وقد تناولت “تنوع” أطراف الحديث عن القبيلة مع أحد سلاطين قبيلة البلندا وأحد أفراد القبيلة، خيث جاء في حديثهم عدة نقاط منها.
تعريف الدين عند البلاندا
يعتقد البلاندا فى اله واحد خالق للكون متسامى يسمونه بلغتهم“ نقاجوكى“ nagajoki/joy وهو الكائن الاعظم خالق الوجود والقدوس المتعالى ، الملك الكبير الخالق والواهب ليس له أب أو أم أو رفيق يحب ويكره الناس حسب سلوكهم ولا يمكن رؤية هذا الاله بالعين البشرية ، لا يقابل شخص أو أى كائن دون مستواه لذا كلف كائنات روحية بما فى ذلك الطبيعة لخدمة الانسان ولذا فبجانب هذا الاله الخالق المفرد يعتقد البلاندا فى وجود الهة اخرى. لكن هذه الالهة الاخرى أصغر مكانة من الكائن الاعظم فهى بمثابة رسل للاله الاعظم بعض هذه الالهة هى أرواح مستقلة تحمل أسماء بحسب دورها فهناك أرواح مسالمة مثل روح العرافة فالسى وفينقى وروح العلاج وأرواح ضارة نقور (السحر الاسود)
زيمار وكينقار ومانقو هى أسماء لكل الارواح الضارة المسؤلة عن الخراب الذى يحدث للمرء فى الحياة
الطوطم عند البلاندا
كلمة طوطم totem معناها ( هو فى علاقة بى) وتعنى أن القبيلة أو العشيرة تنحدر من أصل مشترك هو حيوان أو نبات مقدس وما يتبع ذلك من تحريمات تقع على أفراد القبيلة والتزاماتهم نحو هذا الطوطم باعتباره الجد الاعلى
مثال ذلك وجوب الزواج لدى بعض العشائر من خارج عشيرة الطوطم
والبلاندا يعتقدون أن طوطمهم المشترك لهم جميعا هو فانج fang وحرفيا الكلمة بلغتهم تعنى الاصل أو الهوية
ومازال الحديث عن الطوطم يتخلل حديث الناس ويذكر الباحث انه حينما كان يجرى دراسته الميدانية فى قبيلة بلاندا أن ساله أحدهم kee fang no yeen اى ماهو اصلك فأجاب الباحث انا بلانداوى فرد السائل منزعجا نعم اعرف انك بلانداوى لكن ماهو اصلك حتى اعلم ان كنا اقارب حتى لا اسئ اسلافى وطوطمى فتهرب الباحث
فختم الاخبارى حديث وهز رأسه وسط صيحات وضحكات اصدقائه ثم قال ” نعم أعلم الان أنتم ممن خدعوا بأكاذيب المدارس اليس كذلك“
والبلاندا يعتقدون أنهم ذو قرابة مع طوطم العشيرة
هذا الطوطم هو اول سلف خلقه الاله الخالق فى الوجود وهم يعتبرون أنفسهم أحفاد هذا الطوطم وهذا معناه أن الانسان من وجهة نظرهم لم يخلق أولا بل الطوطم
وبرغم ان هناك سلف مشترك لجميع البلاندا الا ان كل عشيرة لديها طوطمها الخاص ايضا
فهناك عشيرة طوطمها هو النمر اى انهم انحدروا من هذا النمر وعندما يظهر فجاة على اطراف المنزل يقوم بعض كبار السن ببعض الطقوس االلازمة لاستقباله (النمر الطوطم) ومن اكثر الاوقات التى يزور فيها الطوطم الاسرة هى الولادة .
ومن اساطيرهم حول هذا الامر ان النمر يدخل مكان وجود الرضيع فإذا كان ابنا من علاقة شرعية مكث قليلا وبارك الام والرضيع واذا كان من علاقة محرمة قتل الرضيع وخرج به
وهناك طوطم ثعبان يأتى لزيارة الاسرة يشاركهم احتفالهم ومن اساطيرهم حول هذا ان الطوطم الثعبان جاء يتناول معهم ما يقدم له من خمر او بيض او عسل وقد قضى الثعبان فى هذه الاسطورة ثلاثة ليال ينتقل من كوخ الى كوخ ثم رحل الى حال سبيله وثقافة البلاندا مليئة بقصص الطوطم.
الاسلاف فى دين البلاندا
الاعتقاد بالاسلاف وحلول ارواح الاسلاف عند البلاندا شىء قادر على الحلول فى كل مكان موجودة فى العالم المرئى وغير المرئى قريبة من البشر تراقب سلوكهم تحاسب البشر على كل اهمال وتقصير فى حقها يستنجدون بهم عند الحاجة ويقدمون للابناء الحماية اللازمة يحذر البلاندا التحدث فى السلف بالسوء او بصوت مرتفع او احداث ضجيج عندما يحس المرء بوجودهم هناك مواقع داخل البيت تحل بها ارواح السلف مثل سقف البيت مع الوقت يمنح السلف رتبة اله ويدرج تحت قائمة الالهة
يقدم البلاندا القرابين لارواح الاسلاف وعادة ما تكون من دقيق كذلك يقدمون لحم الحيوان فى احتفال شعائرى حيث يذبح على باب البيت
يوجد لدى كل بدنة من البلاندا أراضى مقدسة هى وقف على الاسلاف والالهة . هى عادة المناطق حول المقابر أو اماكن سكنى الاجداد فى الماضى . هذه الارض تلجأ ارواح الاسلاف او الالهة اليها للراحة وبذلك يحرم على الناس الاقتراب منها او زراعتها او اى سبب باستثناء كبار السن
يسند هذا الطقس على عقيدة من اكثر العقائد قوة وشعبية لدى بلاندا . حيث يقيمون احتفالا يكرمون فيه موتاهم من الاسلاف يقام هذا الاحتفال سنويا بعد عيد الحصاد
هومن اكثر الطقوس حيوية وكلفة . تقوم هذه الطقوس على فكرة أن الميت قد ترك العالم إلى الابد بجسده لكن فى نفس الوقت روحه لازالت حية بين الاقارب فالموتى عندهم احياء ويجب اكرامهم وتقديرهم فبحوزتهم قدرات خارقة
فالانسان الصالح يرتقى ويسمو من خلال الموت ليصبح كائن خارق مثل الالهة
اما طقوس الاحتفال ففيها يقوم احد الاقارب وهو مدجج بالاسلحة باستعراضات مقلدا المتوفى فى مواجهاته فى الصيد حيث يظهر مواقفه البطولية المثيرة فى الصيد ومقاومة الاعداء
يسود الحضور اثناء ذلك لحظات من الهدوء والسكينة المهيبة تنتقل بالمعزين من لحظات يتملكهم فيها الاسى والحزن الى لحظات انشراح وتأمل يتخللها وجوه مبتسمة وضاحكة احيانا يسبق الاستعراض صفير بإستخدام صفارة المتوفى
يعتقد البلاندا ان الخالق الاعظم وضع للطبيعة نظام معقد فإن خرج شئ عن ذلك النظام فسوف يلحق بالانسان اللعنة ولذا فعليه أن يسترضى الاله بالشعائر لانزال البركة وتفادى اللعنات
مثال ذلك اعتقاد البلاندا ان ولادة التوأم هو خروج عن ذلك النظام ولذا يصبح لهذا التوأم قدرات خارقة لانزال اللعنات او البركات
ولذا لابد من القيام بطقوس اكرام التوأم وهى من المعتقدات الراسخة لديهم
ويقوم هذا المعتقد على فكرة أن التوام ليسوا بشرا عاديين ولذا عند وفاة احدهم يحل مكانه دمية على شكل بشر وتتمسى باسمه ويعامل معاملة البشر يرافق الاسرة والاخوة فى الزيارات والاعمال
ويجب على الابوين التحلى بالامانة والصدق والطهارة وفى ذلك ذكر احد الاخباريين
” حين وضعت زوجتى التوأم الثلاثة فلم يمض معنا غير اسابيع حتى انذرنا فى حلم التوأم الاكبر قائلا : انهم لن يعيشوا تحت سقف غير مشروع لذا اتخذ الرجل قرار حاسم بتصحيح زواجه مرعوبا من التوأم
المسيحية عند البلاندا
بدات البعثات التبشيرية الكاثوليكية عملها فى مناطق بحر الغزال( منطقة البلاندا) وغندكرو والسوباط منذ عام 1884
دخلت المسحية مصاحبة للتعليم حيث كان المعلمون هم رجال الدين الكاثوليكى ولذا خرج التعليم والمسيحية من مشرب واحد
دخل معظم البلاندا فى الكاثوليكية الا انه ظلوا الى الان متمسكين بعبادة الاسلاف واكرام التوأم والموتى والطوطم
لازالت توجد حتى بين المتعلمين منهم وفى ذلك يذكر الباحث ان احد الاخباريين وكان حاصلا على الماجستير فى الهندسة المعمارية قال“ نعم من الضرورى ان نذهب الى الكنيسة ونتعبد لكن يجب الا ننسى ان ارواح الموتى والاسلاف لها قوة عظيمة فعلينا ان نسترضيهم بتقدماتنا والا يمكن ان يدمرونا فى اى لحظة ويمكن ان يثيروا لنا المتاعب
تبنى البلاندا عددا من عناصر الثقافة المسيحية فمثلا حلت طقوس المعمودية طقس الانتماء ، وطقس التثبيت والمناولة حل محل طقس الرجولة للاولاد والانوثنة للفتيات
وكعقيدة لم يجد البلاندا صعوبة فى اعتناق الكاثوليكية التى تعتقد فى الاب والمسيح والروح القدس(بحسب قول الباحث)
والقديسين كوسطاء لانها تشبه عقيدتهم التى تقوم على الاله والالهة الاخرين كوسطاء بين الاله والبشر
الى جانب الكاثوليكية اعتنق بعض البلاندا البرتستانتية ودخل بعضهم بحمد الله الاسلام
ومن اشهر الشخصيات المسلمة من البلاندا محمد اونانقو وهو زعيم مسلمى البلاندا وكان قد تعرض للطرد من قريته بسبب اعتنقاه للمسيحية
وغير الكاثوليكى عند البلاندا مضطهد اجتماعيا حتى لو كان بروتستانتى من ذلك ما وجده الباحث ان احد طرفى الزواج تراجع عن اتمام رماسم الزواج وابطله تماما عندما عرف ان الزوج بروتستانتى وليس كاثوليك
وبرغم اعتناق البلاندا للكاثوليكية الا انهم لم ينبذوا عبادة الاسلاف بل ان الكنيسة نفسها الى وقتنا هذا لم ترفضها بل اصبحت تشرف على احتفال اكرام الموتى كل عام بعد عيد الحصاد
المراجع
إفريقيَّة المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة
قصة أفريقيا. بي بي سي وورلد.
الدكتورة حورية توفيق : الاسلام والمسيحية فى افريقيا
محاضرات الانثروبولوجية الدينية : معهد الدراسات الافريقية